الدولة اللبنانية ترد الاعتبار لنفسها

الدولة اللبنانية ترد الاعتبار لنفسها

الدولة اللبنانية ترد الاعتبار لنفسها

 الالأردن اليوم -

الدولة اللبنانية ترد الاعتبار لنفسها

بقلم : خير الله خير الله

الدولة اللبنانية عندما ترد الاعتبار إلى مواطن تعرض للظلم، إنما ترد الاعتبار إلى مؤسساتها، خصوصا إلى السلطة القضائية التي تعرضت لانتقادات شديدة في ظل محاولات لتسييس القضاء وجعله في خدمة جهات تؤمن بثقافة الموت.

من المهم بعد اليوم أن لا تبقى تبرئة زياد عيتاني حدثا معزولا
شكرا سعد الحريري، شكرا نهاد المشنوق. شكرا لرئيس مجلس الوزراء ووزير الداخلية على جهودهما من أجل إقرار الحق وعملهما من أجل تبرئة زياد عيتاني الذي أمضى ثلاثة أشهر في السجن بتهمة التعامل مع إسرائيل، وهي تهمة تبيّن أنه بريء منها. لا بدّ من شكرهما أخيرا على عملهما من أجل إعادة الثقة بالقضاء اللبناني وإعادة بعض الأمل بأنّه لا يزال في الإمكان الرهان على لبنان ما بقي فيه أوادم يرفضون الظلم بكلّ أشكاله. أظهر الرجلان أن لبنان لم يمت بعد، ما دام فيه قضاء عادل وما دامت فيه أجهزة أمنية تدافع عن المواطن وتعمل من أجله، بدل أن تعمل من أجل قهره وقمعه وتشريده وإجباره على الهجرة.

تعيد تبرئة زياد عيتاني، ابن العائلة البيروتية العريقة، الاعتبار إلى الدولة اللبنانية ومؤسساتها في وقت تظهر الحاجة أكثر من أيّ وقت إلى ذلك. إنها إعادة اعتبار إلى ثقافة الحياة في لبنان عبر تأكيد أن مؤسسات الدولة، خصوصا الأجهزة الأمنية والسلطة القضائية، في خدمة المواطن أولا.

ما يحتاجه لبنان حاليا أكثر من أيّ شيء آخر هو العودة إلى الدولة وإلى مؤسسات الدولة التي بدأ يفتقدها شيئا فشيئا في ظلّ أزمات النفايات والكهرباء والسير والإهمال المتعمد لصيانة الطرقات والأبنية والاعتداء على الرصيف. صرنا في بلد لم يعد فيه أرصفة، ولم يعد فيه من يفكّر في المحافظة على البيئة والعمارة القديمة. صرنا في بلد هناك من يريد فيه منع عرض فيلم “ذا بوست” لستيفن سبيلبرغ، وإعطاء شهادات في الوطنية لهذا المواطن أو ذاك، تماما كما كانت عليه الحال أيّام الوصاية السورية.

 كان المفوّض السامي السوري يقول عن هذا الشخص إنّه “وطني” وذلك كي تسهل عليه مخالفة القانون وتجاوز مؤسسات الدولة. كان على كثيرين من المسؤولين الذهاب بين حين وآخر إلى دمشق وعنجر لإجراء فحص دمّ وإثبات الصفة “الوطنية”. كانت “الوطنية” تعني قبل أي شيء آخر الولاء للمحتل السوري. كان السقوط في فحص الدم يكلف غاليا. يمكن سؤال كمال جنبلاط الذي اغتاله ضابط سوري في العام 1977 عن النتائج المترتبة على هذا السقوط.

من المهم بعد اليوم أن لا تبقى تبرئة زياد عيتاني حدثا معزولا، بل أن تكون الطريقة التي تصرّفت بها السلطتان التنفيذية والقضائية هي الأسلوب المعتمد في تعاطي الدولة مع المواطن العادي. مثل هذا التعاطي يعيد الثقة المفقودة في مؤسسات الدولة، ويقضي على المخاوف من قيام نظام أمني في البلد يحرم المواطن من الحرية.

في الأشهر القليلة الماضية، بدا لبنان وكأنه يتجه نحو أن يصبح دولة أمنية بامتياز، خصوصا بعد توقيف زياد عيتاني، وبعد صدور حكم عن المحكمة العسكرية في حق الزميلة حنان غدّار التي تعمل حاليا في واشنطن، وبعد الحملة التي تعرّض لها الزميل مرسيل غانم. بدا أن لبنان ذاهب إلى الحج، فيما الآخرون عائدون منه. بدا أن لبنان يتقوقع على نفسه وباشر الدخول في حلقة مغلقة، على غرار ما حصل في معظم البلدان العربية التي حكمها العسكر. كان لا بد من كسر هذه الحلقة المغلقة والقول للبنانيين إن العسكري السوري الذي خرج من لبنان في نيسان – أبريل من العام 2005، بعد شهرين ونصف شهر من اغتيال رفيق الحريري، خرج فعلا. خرج جسديا وخرج معه أسلوب التعاطي الأمني مع المواطن اللبناني. لم تنته الوصاية السورية كي تحل مكانها وصاية أخرى يفرضها السلاح غير الشرعي وفائض القوّة.

كثيرون في لبنان رفضوا منذ البداية تصديق أن زياد عيتاني يتعاطى مع إسرائيل. بدت الرواية التي وزعت عن “عمالاته” من النوع المضحك المبكي أكثر من أيّ شيء آخر. بدا وكأنّ هناك من يسعى إلى إثبات وجوده في المجال الأمني وإظهار فعاليته عبر المسّ بكرامة مواطن وسمعته، بل بعائلة لبنانية أصيلة، وأهل بيروت بالذات.

يفترض ألا تتوقف الأمور عند تبرئة زياد عيتاني. توقف الأمور عند هذا الحدّ سيجعل قضية الرجل تبدو وكأنّها مرتبطة بالحدث الانتخابي ليس إلا. لذلك، من المفيد أن تكون براءته منطلقا لإقناع اللبنانيين بأنّ هناك بالفعل تغيير حصل في البلد وذلك منذ اللحظة التي جرى فيها سدّ الفراغ الرئاسي بهدف انتظام عمل المؤسسات. من المفيد أيضا اقتناع اللبنانيين بأنّ هذا التغيير ليس موسميا، بمقدار ما إنه سينسحب على كل القطاعات، بدءا بصيانة الحرّيات والكرامات، وصولا إلى معالجة أزمة النفايات والكهرباء والسير والاعتداء على الرصيف… وأن لا عودة بطريقة أو بأخرى إلى ممارسات تذكّر بالذهنية التي سادت أيّام الوصاية السورية. لم تخرج هذه الذهنية من الباب كي تعود من الشبّاك.

يبقى أن وزير الداخلية تعرّض لحملة بسبب اعتذاره باسم “كل اللبنانيين” من زياد عيتاني. هذا ليس وقت المزايدات، بل وقت العمل الجدّي من أجل إقناع اللبناني بأن الدولة، شعبا ومؤسسات، حريصة عليه وعلى حريته. ألم يتدخل سعد الحريري من أجل عدم إلحاق الظلم بالسينمائي زياد الدويري الذي يوجد من أراد تصويره بأنّه “عميل لإسرائيل” مكافأة على فيلمه الناجح “القضية الرقم 23” المرشح لنيل أوسكار أفضل فيلم أجنبي؟

وحدهم الكبار يعتذرون في هذا العالم. الاعتذار يعني الانتماء إلى العالم الحضاري ويعني احترام المواطن. بكلام أوضح، يعني الاعتذار أنّ هناك استيعابا لوجود تقصير لا بد من معالجته. هذا ما يفعله سعد الحريري الذي تابع قضيّة زياد عيتاني، وقبل ذلك قضيّة زياد دويري، من منطلق إنساني ومن منطلق حماية المواطن اللبناني كي لا يعود ويقع تحت ظلم الأجهزة الأمنية.
يبقى أيضا أن الدولة اللبنانية، عندما ترد الاعتبار إلى مواطن تعرّض للظلم، إنما ترد الاعتبار إلى مؤسساتها، خصوصا إلى السلطة القضائية التي تعرّضت في الفترة الأخيرة لانتقادات شديدة في ظل محاولات لتسييس القضاء وجعله في خدمة جهات معينة تؤمن بثقافة الموت وبقتل كل ما هو حضاري في لبنان. كذلك، تثبت الدولة اللبنانية أن الأجهزة الأمنية، في مقدمها فرع المعلومات، الذي أوقف ميشال سماحة وكثيرين غيره، ضمانة للمواطن ولكرامته.

ليس سرّا أن اللبنانيين، عموما، رفضوا دائما أي تعاط مع إسرائيل، حتى عندما وصلت إلى بيروت. رفض اللبنانيون، خصوصا أهل بيروت، أي نوع من العلاقات مع الإسرائيليين ومع البضاعة التي أرادوا الترويج لها.

كلّ كلام عن “تطبيع” لا معنى له. إذا كان من إنجاز حقّقه العرب في يوم من الأيام، فانّ هذا الإنجاز يتمثّل في أن مجتمعاتهم رفضت قبول الإسرائيلي كمحتلّ. لم يستطع الإسرائيلي أن يكون مرتاحا في يوم من الأيام لا في مصر ولا في الأردن، أي في الدولتين اللتين وقعتا معاهدتي سلام مع إسرائيل… كيف يكون هذا الإسرائيلي، إذا، مرتاحا في لبنان حيث يبدو مطلوبا في نهاية المطاف وضع حدّ لمهزلة من هو وطني ومن هو غير وطني، ومن يعطي شهادات في الوطنية ويجري فحوص الدم في هذا المجال؟ 

الأكيد أن عائلة عيتاني لا تحتاج إلى شهادة من أحد… بل تعطي دروسا في الوطنية لمن لا يزال يحتاجها ومن لا يزال يعتقد أن مقاومة إسرائيل تعني نشر البؤس والخوف في البلد، وأن الوصاية السورية عائدة بطريقة أو بأخرى تحت عنوان مختلف وشعارات “المقاومة” و”الممانعة” وما شابهها.

المصدر : جريدة العرب 

jordantodayonline

GMT 06:35 2020 الأربعاء ,28 تشرين الأول / أكتوبر

تلخيص السودان في لاءات ثلاث!

GMT 05:19 2020 الأحد ,25 تشرين الأول / أكتوبر

موسم الهجرة إلى... «الشِمال»!

GMT 06:27 2020 الأربعاء ,21 تشرين الأول / أكتوبر

لبنان... الثورة المضادة

GMT 06:29 2020 الثلاثاء ,20 تشرين الأول / أكتوبر

سري نسيبة و«الواقعية الجديدة» ؟

GMT 21:06 2020 السبت ,17 تشرين الأول / أكتوبر

حدود دولة إسرائيل؟ ولماذا ترفض ترسيمها؟

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الدولة اللبنانية ترد الاعتبار لنفسها الدولة اللبنانية ترد الاعتبار لنفسها



ارتدت فستانًا أسود دون أكمام وبقصّة الأوف شولدرز

سيرين عبدالنور تخطف أنظار متابعيها في أحدث إطلالاتها

القاهره_العرب اليوم

GMT 04:42 2016 الخميس ,15 كانون الأول / ديسمبر

النادي "الإسماعيلي" يتعاقد مع لاعب نجوم المستقبل رسميًا

GMT 04:34 2017 الجمعة ,23 حزيران / يونيو

مصر من الثقافة المدنية إلى الحكم المدنى

GMT 16:22 2014 السبت ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

مطعم لوكس يقدم لزبائنه فطيرة جديدة بالأعشاب والبربر

GMT 05:47 2015 الثلاثاء ,29 كانون الأول / ديسمبر

لوحات عالمية مزيفة وغياب النقد يهددان الفن التشكيلي

GMT 04:52 2016 الثلاثاء ,11 تشرين الأول / أكتوبر

ابتسامة شماتة من ابنة كلينتون على فضيحة دونالد ترامب

GMT 02:36 2015 الأحد ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

طفلة روسية وُلدت بعيب خلقي تحمل قلبها خارج صدرها

GMT 16:34 2019 الثلاثاء ,03 أيلول / سبتمبر

"بتاعة الفن" تقيّم فيلم "الفيل الأزرق 2"
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Jordantodayonline Jordantodayonline Jordantodayonline Jordantodayonline
jordantodayonline jordantodayonline jordantodayonline
jordantodayonline
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab