مناورات روسية في سورية

مناورات روسية في سورية

مناورات روسية في سورية

 الالأردن اليوم -

مناورات روسية في سورية

بقلم ـ خير الله خير الله

سيفشل الرهان الروسي في سوريا مثلما فشل الرهان السوفياتي في اليمن الجنوبي وفي غير اليمن الجنوبي في الماضي. هناك في موسكو من لا يريد أن يتعلم ويعتقد أن تكرار الخطأ فضيلة.

ثمّة ما يجمع بين موقفيْ روسيا من جهة، والنظام السوري من جهة أخرى. يتمثّل القاسم المشترك بينهما في الابتعاد عن الواقع، إلى أبعد حدود، والسعي إلى خلق عالم خاص بكل منهما.

لا يريد النظام السوري تصديق أن الشعب السوري ضده وأنه صار في مزبلة التاريخ منذ سنوات عدة، وأن سوريا صارت مقسّمة إلى مناطق نفوذ عدة.

ترفض روسيا الاقتناع بأن ليس في استطاعتها إعادة الحياة إلى مؤسسات الدولة التي ساهمت في بنائها في سوريا. لن تستطيع روسيا ذلك لسبب في غاية البساطة. يعود هذا السبب إلى أن هذه المؤسسات ارتبطت بنظام غير شرعي قام أساسا على التمييز بين السوريين من منطلق مذهبي وطائفي، وعلى سياسة قائمة على الابتزاز والفساد. منذ متى يصلح الابتزاز والفساد لبناء شرعية أو مؤسسات لدولة عصرية تقيم علاقات سليمة مع محيطها؟

يبدو رهان روسيا على بناء شيء إيجابي انطلاقا مما بقي من مؤسسات الدولة السورية في غير محله. إنه رهان على المستحيل لا يصب سوى في تقسيم سوريا إلى مناطق نفوذ مع بقاء بشار الأسد في دمشق كصورة ليس إلا. ستكون موسكو أسيرة انتظار اليوم الذي تستطيع فيه الحصول على شيء ما في مقابل رأس رئيس النظام السوري الذي لم يعد يوجد من يعتبره حتّى ورقة.

كلّ ما تستطيع روسيا عمله هو التوصل إلى اتفاقات من نوع الذي توصلت إليه في الجنوب السوري بالتفاهم مع أميركا والأردن. لم يكن ممكنا التوصل إلى مثل هذه الاتفاقات من دون موافقة إسرائيل المهتمة قبل غيرها بنوع من التهدئة في تلك المنطقة الحساسة نظرا إلى أن الجولان يشكّل امتدادا لها. كشف الاتفاق عمق العلاقة الروسية – الإسرائيلية بعدما أخذ في الاعتبار أن إسرائيل، ذات الهواجس الكثيرة، لن تقبل بوجود إيراني مباشر أو غير مباشر في المنطقة الممتدة من الجولان إلى دمشق. لا يمكن تجاهل أن المسافة بين خط وقف النار في العام 1967 والعاصمة السورية هو 37 كيلومترا، في حين أن الاتفاق الروسي- الأميركي- الأردني يغطي منطقة تمتد إلى أربعين كيلومترا.

كان مهمّا وضع المملكة العربية السعودية النقاط على الحروف في ما يخص مستقبل بشّار الأسد. مهما حاولت روسيا تعويم النظام السوري، هناك أمر أكيد. لا مكان لبشّار الأسد في سوريا بغض النظر عن الطبيعة التي سيؤول إليها الكيان السياسي الذي اسمه “الجمهورية العربية السورية”.
نسبت إحدى وسائل الإعلام الرسمية الروسية أخيرا كلاما إلى وزير الخارجية السعودي عادل الجبير عن قبول المملكة ببقاء بشّار الأسد. استدعى ذلك توضيحا سريعا من الخارجية السعودية شدّد على الموقف الثابت للرياض من رئيس النظام السوري وعلى أن “أيّ مستقبل جديد لسوريا لا مكان فيه لبشّار الأسد”. كلام واضح ونقطة على السطر.

هناك مناورات وبهلوانيات روسية تصبّ في السعي إلى كسب الوقت. ما الذي يمكن أن يؤدي إليه كسب الوقت غير المزيد من التفتيت لسوريا في وقت بات واضحا كلّ الوضوح أن ثمّة حاجة إلى نقلة نوعية في التفكير، في كيفية الوصول إلى حل سياسي يوفق بين طموحات الأطراف المعنية بالأزمة السورية. يظل السؤال في النهاية هل يمكن التوفيق بين الطموحات المختلفة… أم يجب الاكتفاء بمناطق النفوذ القائمة حاليا، وهي مناطق نفوذ روسية وأميركية وإيرانية وتركية وإسرائيلية، فيما يقتصر همّ الأردن على حماية نفسه من إرهاب “داعش” ومن اقتراب “الحرس الثوري” الإيراني وتوابعه من حدوده.

تقوم موسكو بكل المناورات التي تستطيع القيام بها، بما في ذلك الاستعانة بمصر، تلافيا لمواجهة لحظة الحقيقة المتمثلة في أن لا مستقبل لسوريا بوجود النظام القائم. هناك محاولات إيرانية وروسية لإبقاء النظام في غرفة الإنعـاش. يمكن فهم ما تقـوم به إيران الحريصة على أن تكون سوريا جزءا لا يتجزّأ من مشروعها التوسّعي القـائم على ربط طهران ببيروت، مرورا ببغداد ودمشق. ما ليس مفهوما ما تقوم به روسيا التي آن أوان اقتناعها بأنها عاجزة عن لعب دور القـوة العظمى، لا في الشرق الأوسط ولا خارج الشرق الأوسط، مهما فعلت من أجل استرضاء إسرائيل وتوفير كلّ الضمانات التي تطلبها.

لعلّ أخطر ما في التصرفات الروسية أنهّا تخدم كلّ ما من شأنه استمرار حال من اللاستقـرار في الشرق الأوسط والخليج. إنها تسمح لإيران بالعمل على إيجاد بدائل من إخراجهـا من الجنـوب السوري. ما نشهده اليوم هو سعي إيراني إلى التشبّث بمناطق بديلة من الجنـوب السوري، مع تـركيز خاص على لبنان وعلى ربط مناطق سورية تحت سيطرتها بأخرى تحت سيطرة “حزب الله” في لبنان. ليست الصفقة التي تمت بين “حزب الله” و“جبهة النصرة” في جرود عرسال سوى فصل آخر من فصول اللعبة الإيرانية التي سيتقرر مصيرها في النهاية في منطقة الحدود العراقية – السورية. حان الوقت لأن تتصرّف روسيا بطريقة منطقية في سوريا. يفترض فيها أن تتذكّر أن حجم اقتصادها يقل عن حجم اقتصاد دولة مثل كوريا الجنوبية، وهو أقل بكثير من حجم اقتصاد إيطاليا أو فرنسا أو ألمانيا التي يبلغ حجم اقتصادها ثلاث مرات حجم الاقتصاد الروسي.

لن يكون في استطاعة دولة تعاني من كلّ ما تعاني منه روسيا التصرف كقوة عظمى في المدى الطويل. لو كان ذلك ممكنا لما انهار الاتحاد السوفياتي. هناك خدمة وحيدة يمكن لروسيا تقديمها للسوريين في حال كانت تريد فعلا مصلحتهم. بدل الرهان على صفقة ما مع الولايات المتحدة، حيث إدارة مازالت قيد التشكيل، وعلى الوقت الذي لا يخدم سوى المشروع التوسّعي الإيراني الذي يؤذي بلدا مثل لبنان، لماذا لا تحاول اللجوء إلى المنطق؟

المنطق يقول إن أي محاولة لإعادة بناء مؤسسات الدولة السورية لن يكتب لها النجاح ما دام بشار الأسد لا يزال في دمشق. تحتاج سوريا أول ما تحتاج إلى رجال جدد يأخذون في الاعتبار تركيبة سوريا وطبيعة شعبها والعـوامل الجديدة التي طـرأت أخيرا، بما في ذلك الوجود العسكري الأميركي في المناطق التي تحوي ثروات البلد (الأراضي الزراعية والغاز والمياه) وبروز دور الأكراد وتطلعاتهم وكلام تركيا عن أنها تسيطر على ألفي كيلومتر مربع من الأراضي السورية.

ليست السياسة الروسية في سوريا من النوع القابل للحياة. مرد ذلك أنه ليس لدى روسيا أي اقتراح بناء تقدمه باستثناء استرضاء إسرائيل وإيران في الوقت ذاته، والسعي إلى صفقة مع الولايات المتحدة تشمل أوكرانيا، بما في ذلك شبه جزيرة القرم.

من الآن إلى أن تتبلور معالم مثل هذه الصفقة ستزداد الأوضاع السورية تعقيدا. الثابت الوحيد أن لا مكان لبشّار الأسد في أي حلّ أو تسوية مهما ضعفت المعارضة السـورية ومهما تشـرذمت. مثـل هـذا التمسّـك برجل مسؤول عن مقتل ما يزيد على نصف مليون سوري هو مثل الرهان السوفياتي الـذي كان قـائما على إمكـان نجاح حزب شيوعي في حكم بلد يقوم على القبليـة والعشائـرية مثل ذلـك الـذي كان اسمه “جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية”.

سيفشل الرهان الروسي في سوريا مثلما فشل الرهان السوفياتي في اليمن الجنوبي وفي غير اليمن الجنوبي في الماضي. هناك في موسكو من لا يريد أن يتعلّم ويعتقد أن تكرار الخطأ فضيلة!

jordantodayonline

GMT 17:44 2020 السبت ,13 حزيران / يونيو

أخبار عن أبحاث وسورية ومبيعات السلاح

GMT 04:42 2020 الجمعة ,07 شباط / فبراير

هل يرضخ بوتين لإنذار أردوغان

GMT 17:01 2019 الجمعة ,08 تشرين الثاني / نوفمبر

دونالد ترامب لن ينسحب من سورية

GMT 11:19 2019 الأربعاء ,18 أيلول / سبتمبر

الارقام الحكومية.. “حط في الخرج”

GMT 03:37 2019 الإثنين ,22 تموز / يوليو

(المأساة في سورية مستمرة)

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

مناورات روسية في سورية مناورات روسية في سورية



ارتدت فستانًا أسود دون أكمام وبقصّة الأوف شولدرز

سيرين عبدالنور تخطف أنظار متابعيها في أحدث إطلالاتها

القاهره_العرب اليوم

GMT 05:44 2020 الخميس ,15 تشرين الأول / أكتوبر

حظك اليوم برج السرطان 15 أكتوبر/ تشرين الأول 2020

GMT 23:10 2015 الأربعاء ,30 أيلول / سبتمبر

مستشفى إبراهيم عبيد الله تفحص 3952 مريضَا بالقلب

GMT 22:07 2017 الخميس ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

عصير البصل يحسن الدورة الدموية ويخلص من الصلع

GMT 16:34 2019 الجمعة ,26 إبريل / نيسان

"الكاف" يعاقب الصفاقسى التونسى

GMT 06:23 2018 الأربعاء ,05 أيلول / سبتمبر

نوال الزغبي تتألق بفستان فضي في أحدث حفلاتها

GMT 18:32 2018 الإثنين ,26 آذار/ مارس

المدافع سيرجيو راموس يعود لمنتخب إسبانيا

GMT 12:09 2018 الإثنين ,29 كانون الثاني / يناير

مباحث ودراسات في التاريخ والخطط" كتاب من تراث مصطفى جواد"
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Jordantodayonline Jordantodayonline Jordantodayonline Jordantodayonline
jordantodayonline jordantodayonline jordantodayonline
jordantodayonline
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab